تمهيد
يعاني الاقتصاد المصري اليوم من مجموعة من التحديات العميقة التي تؤثر مباشرة على حياة الناس اليومية. من التضخم المرتفع، إلى انخفاض قيمة الجنيه، مرورا بارتفاع الدين الحكومي وتقلص القدرة الشرائية، الأسر في مصر تشعر بأنه ليس لديها خيارات كثيرة. هذا المقال يهدف إلى عرض واقع الاقتصاد بوضع عام — أي بما يشمل المؤشرات الكلية، التحديات، السياسات التي تم اتخاذها، وأين ممكن أن تتجه الأمور — مع التركيز على الجوانب التي “توجع” المواطن البسيط.
المؤشرات الاقتصادية الكبرى: نبذة عن الواقع
-
نمو الناتج المحلي الإجمالي
مصر حققت نمواً ملحوظاً في بعض الفترات الأخيرة؛ فقد ارتفع معدل النمو في الربع الثالث من العام المالي 2024-2025 إلى حوالي 4.77% مقارنة مع نحو 2.2% في الربع المماثل من العام السابق. Al Arabiya
كذلك في الربع الثاني للنفس السنة المالية، وصل النمو إلى حوالي 4.3% مقابل 2.3% في الربع ذاته من العام السابق. الجزيرة نت
هذا النمو يُظهر أنه توجد قدرات إنتاج واستجابة سياسية تؤثر إيجابيا، لكن يبقى “المعاناة” حاضرة بقوة في الجيوب والأسر. -
التضخم وارتفاع الأسعار
التضخم لا يزال يمثل عبئاً ثقيلا؛ المستهلك يشعر بالتغير اليومي في الأسعار — مواد غذائية، سلع أولية، خدمات. مؤخرًا، مؤسسات عربية توقّعت انخفاض التضخم تدريجياً، لكنه لا يزال مرتفعاً ويُرهق ميزانية المواطنين. Egyptian Center for Strategic Studies+2IMF+2 -
سعر صرف الجنيه المصري والعملة الأجنبية
انخفاض قيمة الجنيه أثّر بشدة على القدرة الشرائية، خاصة للسلع المستوردة، وعلى تكلفة المعيشة. هذا التراجع جعل المستوردات أغلى، وأدى إلى ارتفاع الفاتورة الاستيرادية مما يزيد الضغط على الموازنة العامة والحسابات الخارجية. Economic Research BNPParibas+2Foreign Agricultural Service+2 -
الدين العام وخدمة الدين
جزء كبير من الموازنة يُستخدم لسداد فوائد الدين، مما يقلل من الموارد المتاحة للاستثمار في الصحة، والتعليم، البنية التحتية، ومشاريع التنمية التي تؤثر مباشرة على جودة الحياة. Wikipedia+1 -
ميزان المدفوعات والعجز التجاري
مصر تواجه صعوبة في تغطية وارداتها من العملات الأجنبية، إضافة إلى ضغوط خارجية (أسعار النفط، سلع غذائية، الأزمات العالمية والإقليمية) تؤثر على التجارة، السياحة، والتحويلات. World Bank+2Foreign Agricultural Service+2 -
الأمن الغذائي وتأمين السلع الأساسية
مع ارتفاع الأسعار، وتقلب قيمة العملة، وتغيرات المناخ التي تؤثر على الإنتاج الزراعي، تأمين الغذاء الجيد بأسعار مقبولة أصبح أمراً صعباً للعديد من الأسر. دعم الخبز ومواد الإعاشة الأساسية كان ولا يزال أحد الملفات الحساسة جداً. Reuters+1
التحديات المحورية: لماذا الألم موجود؟
-
السياسات النقدية والمالية: الحكومة — بمساعدة مؤسسات دولية مثل صندوق النقد الدولي — اتخذت إجراءات إصلاحية تهدف لخفض العجز، تحفيز الاستثمار، توسيع قاعدة الضرائب، وترشيد الإنفاق. هذه السياسات غالبًا ما تتطلب وقتًا لتُترجَم إلى فوائد ملموسة للمواطن البسيط. Economic Research BNPParibas+2IMF+2
-
ارتفاع كلفة الاستيراد: بما أن كثير من السلع الأساسية مستوردة، فإن أي ضربة لأسعار المواد العالمية أو انخفاض في قدرة الجنيه تؤدي إلى ارتفاع فوري في الأسعار المحلية.
-
التزامات الدين والأقساط الخارجية: جزء كبير من الإيرادات تُستخدم لسداد الديون، مما يترك موارد أقل للنفقات التنموية والاجتماعية.
-
التغيرات المناخية والبيئية: الجفاف، تذبذب الأمطار، التغير في نمط الطقس يؤثران على الزراعة والإنتاج الغذائي المحلي، مما يزيد الاعتماد على الاستيراد. Carnegie Endowment
-
الاستقرار الإقليمي وتأثيره الخارجي: النزاعات في المنطقة تؤثر على السياحة، صورة المستثمر الأجنبي، سلاسل الإمداد، القنوات التجارية مثل قناة السويس. The Washington Institute+1
-
قلة الاستثمارات الأجنبية: رغم تحركات جادة لجذبها، العوائق كثيرة — البيروقراطية، المخاطر، ضعف بعض الأطر القانونية، وعدم وضوح بعض السياسات للمستثمرين. Asharq News+1
آثار على حياة المواطنين
-
القدرة الشرائية تنخفض: ارتفاع الأسعار، وخصوصًا للمواد الغذائية، يجعل المستهلك العادي يضطر يضحي بجودة الطعام، أو يقلل من الإنفاق على القطاعات الأخرى مثل الصحة والتعليم.
-
الفقر والبطالة: الكثير من الشباب لا يجد فرص عمل ملائمة، خصوصًا أن بعض الصناعات لا تنمو بالسرعة المطلوبة، والاستثمار لا يصل إلى كل المناطق.
-
الأمان الغذائي: مع ارتفاع تكاليف الاستيراد، وأحيانًا تأثر الإنتاج المحلي، تزداد هشاشة الأسر في الحصول على الغذاء الكافي والمناسب.
-
الضغوط النفسية والاجتماعية: تكاليف التعليم، الصحة، النقل، والكهرباء، كلها ترتفع، مما يزيد من الشعور بعدم الاستقرار والأمل المحدود في الغد.
السياسات والإصلاحات: ما تم وما يجب أن يُنفذ
-
سياسات الإصلاح المالي والنقدي: تشديد الإنفاق، ضبط العجز، والتحكم في التضخم. هذه كلها خطوات ضرورية ولكن يجب أن تكون متوازنة حتى لا تُضاعف من أعباء الفقراء.
-
تحرير سعر الصرف: تحول مصر نحو سعر صرف مرن ساعد في بعض التوازنات الخارجية، لكن هذا أيضاً جعل السلع المستوردة أغلى. يجب وجود دعم للقطاعات المنتجة محليًا لتقليل الاعتماد على الخارج. Economic Research BNPParibas
-
تشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي: تحسين البنية التشريعية، تسهيل الإجراءات، تقديم حوافز، وتوفير بيئة مستقرة للاستثمارات.
-
ترشيد الدعم الاجتماعي: بدلاً من دعم كل شيء بنفس الدرجة، وجود استهداف أفضل للفقراء من الدعم الغذائي، المواصلات، الخدمات الأساسية.
-
التركيز على القطاعات المنتجة: الزراعة، الصناعة، الطاقة المتجددة، السياحة، التكنولوجيا — هذه القطاعات يمكن أن توفر فرص عمل وتحقيق قيمة مضافة.
-
التنمية المستدامة والتعامل مع التغير المناخي: الزراعة المقاومة للجفاف، تحسين إدارة المياه، البُنى التحتية التي تتحمل التغير المناخي.
الأمل الموجود: مؤشرات تفاؤل
-
النمو الاقتصادي بدأ يتحسن ويظهر علاماته في بعض الفترات. Al Arabiya+1
-
انخفاض تدريجي للتضخم، رغم أنه لا يزال مرتفعاً. Economic Research BNPParibas+1
-
السياسات الحكومية توجه نحو الاستثمارات الأجنبية والتصدير، وكذلك رؤية مصر 2030 التي تهدف إلى تحفيز النمو وجذب استثمارات ضخمة. Asharq News
الخلاصة: أين يتجه الاقتصاد؟
إذا لم تُتخذ إجراءات إضافية سريعة وحاسمة، فإن الألم المعيشي سيستمر، وربما يزداد على بعض الفئات الأكثر ضعفًا. ولكن في المقابل، هناك فرص حقيقية إذا تم توجيه السياسات نحو:
-
تعزيز الإنتاج المحلي وتقيليل الاعتماد على الاستيراد في السلع الأساسية.
-
حماية الفئات الاجتماعية الأشد تضرراً من التقلبات الاقتصادية.
-
تحسين بيئة الأعمال لجذب الاستثمارات، الخاصة والأجنبية.
-
ترشيد دعم الخزينة من جهة، وتحسين جودة الخدمات العامة من جهة أخرى.
-
العمل بجدية على الاستدامة البيئية والتغير المناخي لأنها تصبح عاملًا مؤثرًا في كل القطاعات، لا سيما الزراعة.